top of page

أسرة حزمت حقائبها إلى الله

  • عبدالله الطارقي
  • 12 يوليو
  • 3 دقيقة قراءة

قد يكون العنوان لافتًا لكل مسلم، لأن إيمان المرء يقود تفكيره دائمًا بعلاقته بربه ومصيره إليه!

لا أخفيك أن المحفز لكتابة هذه الأسطر قديم، وذلك حين سألني أحد أولادي يومًا عن مسألة خلافية وأنه يختار الرأي المنحاز للرخصة، وإن لم يكن هو السائد، فأسمعته كلمة سمعتها من أحد أساتذتي فرأيت أثرها عليه، فقلت له: إن كان لديك جواب لو سألك الله عنها غدًا فافعل!!

ولا يزال الباعث يتجدد، لكن من البواعث العجيبة، حين انجفل الأقارب والأصدقاء يعزوننا في وفاة والدي رحمه الله لا أنسى سؤال صديق إذ أومأ بسؤال عن حياة الوالد، فاندفعت مباشرة فقلت: حين تأملت سيرته وأنا أكبر أولاده الذكور وجدت معلمًا واضحًا وضعته عنوان سيرته، قال ماهو؟ قال: هذا رجل مات وهو يستعد للقاء الله! فكبر صديقي وقال الحمد لله.

ولا أخفيك أن العبارة نفسها سمعتها مرارًا من صديقي محمد عوض الحوطي رحمه الله، الذي لم ينته لقاء بيننا دون أن يذكرني بلقاء الله تعالى بل كثيرًا ما كان يصرح بها، حيث يقول: يا عبدالله سئمت الدنيا والله إني مشتاق للقاء الله!

جدد الأمر ليلة البارحة القريبة، مراسلة دفع بها إلي أحد أستاذتنا قصة الأسرة التي جابت شبكات التواصل ومفاد القصة هو:

أن صاحبها يقول: أنا أعمل في أكثر من جمعية خيرية لمساعدة الفقراء، وأسكن في بناء من طابقين وكل طابق من شقتين، وطابق لصاحب البناء وابنه، وأنا في الطابق الأخير، مع جار آخر، والأرضي مقسم إلى شقق صغيرة يسكن فيها أناس بسطاء، على قدر حالهم....!! يأتيني كل شهر ابن صاحب البناء، ويعطيني مبلغًا من المال قائلا لي: اعطهم للمستأجرين، لأجل أن يدفعوها لوالدي إيجار بيوتهم...!! ولكن الأمر الأعظم والأغرب أن الأب بعد أن يستلم الأجرة منهم.. يأتيني قائلا خذ هذه الأجرة واشتري للمستأجرين موادًا تموينية ووزعها عليهم.. الأب وابنه يطلبون مني أن أقول إنها من هذه الجمعيات، الأب لا يعرف أن ابنه يساعد الناس، ولا الابن يعرف أن أباه يساعدهم، والاثنان يقدمان هذا الخير في السر! انتهت القصة. وعلق عليها أستاذي بقوله: " قلوب متوضئة ونفوس مصقولة"

وكان تعليقي على القصة حين رأيتها للمرة الأولى: هذه أسرة حزمت حقائبها إلى الله!

ولئن نسيت فلن أنسى مكالمة سطرت حروفها في لوح الذاكرة بمداد يستعصي على الأيام أن تمحوه، الطرف الثاني في المكالمة خبير سوداني من خبراء الأمم المتحدة، كنا نتحدث عن مشاركته في فريق بحثي بالتنسيق مع منظمتنا العتيدة الإيسيسكو، الكلمات التي أسمعنيها الخبير السبعيني حين وصلنا للحديث عن التكاليف المالية، هي قوله: ياولدي أنا حزمت حقائبي إلى الله!! 

ربما أنك أغمضت عينيك حين باشر وجدانك نسيم هذه المعاني، لأنك ترى بقلبك نفاسة هذه النفوس التي تتحدث بهذه الكلمات، وتطلق هذه المعاني البليغة العظيمة المؤمنة! نفوس بلغ من طهرها أنك تخال كلماتها تتوضأ وتركع وتسجد في محراب الشوق إلى الله تعالى! ويالها من عطية ربانية كبيرة، أن يخصك الله بالشوق إلى لقائه!

دعني اختم لك بقصة صديق توفي قبل أيام قليلة الأستاذ والمشرف التربوي عبدالرحيم الغامدي، الرجل الذي لم يحصل لقاء بيننا أو حديث عبر الهاتف إلا ويذكر الآخرة، ويكرر سؤاله: ما الأمر الذي سيبقى يصله أجره بعد موته؟ لقد مضى لسبيله وهو يستعد للقاء الله فما أعظم حياة عشتها أبارمزي!

والسؤال الذي ربما أنك سائل نفسك هل أنت تستعد للقاء الله كما يجب، وهل تأكدت أن ما أنجزت في أتون حياتك منه: ولد صالح يدعوا لك فتصلك دعواته، أوصدقة جارية يصلك أجرها، وعلم ينتتفع به بعد موتك!

ماذا يدور في بيوتنا وأسرنا؟ هل تجمعنا رسالة مفادها الاستعداد للقاء الله؟ أو أن إيقاع الحياة يذهب بنا كل مذهب؟ حتى إن وفاة الأصدقاء والأقارب لاتوقظ شيئا من رفاة نفوسنا التي خدرتها مطالب الفانية دون آفاق الباقية!.. جعلني الله وإياك وأسرتي وأسرتك ممن يحزم حقائبه إلى الله مخبتًا طائعًا، ولا يفجأ الموت أحدنا أو أفراد أسرنا عن غير استعداد للوقوف بين يدي الله على الوجه الذي يرضيه عنا. اللهم آميين.

 

 

 
 
 

تعليقات


Artboard 3_3x-8.png

مشروع نفساني تربوي اجتماعي بإشراف الدكتور عبدالله الطارقي

2024

bottom of page