أصحاب الأناقة أمام الله تعالى
- عبدالله الطارقي
- قبل 4 أيام
- 2 دقيقة قراءة
حين افتتحت هذه المقالة وقبل إغلاقها حصل موقف يستحق أن يكون فاتحتها؛ وذلك أنّه زارني صديق من أهل القرآن الكريم -كذلك نحسبه والله حسيبه- فهو من عنادل مكة المكرمة بالقرآن الكريم -وما شهدنا إلا بما سمعنا- فإذا به مثقلٌ بمعنى لم يفلح في كتمانه، وقبل المضي في الحديث عن القضية السبب التي لأجلها اجتمعنا.
ولم يكن المعنى الذي أفاض به إلا حديثًا عن آية أقضّت مضجعه تلك الليلة، وهي قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ) [النبأ:38].
ومضى يتحدث ويتساءل بصوت متهدج متأثر، ما الذي أسكت الملائكة وعلى رأسهم جبريل عليهم السلام، وهم الذين لم يرتكبوا ذنبًا؟
ما موقف من قد اقترف الذّنب مرارًا إذا؟؟ وغلب صديقي دمعُ عينيه.
والحق أن استشعار الموقف يستجيش مدامع كل من له قلب، فَحُقّ له ما فعلت به تلك الآية.
والموقف المهيبُ الذي أسكتَ الملائكة، مع ما يشتمل عليه من الرّهبة والجلالِ والخوفِ الذي يفوق التصوّر، حتى أسْكت الملائكة المقربين، إلا أنّه ينطوي على مقدار عظيم من أدبِ الملائكةِ أمام ربّهم ومولاهم سبحانه وتعالى.
إن واحدةً من مقاصد آي الملائكة في مواقفها مع الله العظيم سبحانه وتعالى هو أن نَتعلّم منهم الأدب مع الله.
إذ لم يُتَأدّب مع الله تعالى مثلُ أدبِ الملائكة.. وعلى غرارهم لم يَتأدّب بشر مع الله تعالى كما صنع الأنبياء عليهم السلام.
ولا غدا صفيق الوجهِ مع ربه إلا محرومٌ من التوفيق، منعه ربّه من أن يكون مؤدبًا أنيقًا ذا ذوقٍ في طريقه إليه! وفي شكواه وانطراحه بين يديه.
فمن أدب الملائكة قبلاً: ما أخبرنا الله عنهم حين قال: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا) [البقرة:32].
ومن أدب الأنبياء اعتراف من جنس اعتراف الملائكة قال تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا) [المائدة:109].
بل إن الآيات ربما قرّعت وأنّبتْ صفيق الحال الذي لا يستحضر تلك الهيبة فيتأدب، قال تعالى: ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13]
من أين نتعلم أدب الاستغفار، وأدب الاعتذار، وأدب بث الشكوى، وأدب الدعاء، وأدب التّوبة، وأدب الرجوع، وأدب العبادة، وأدب الخشوع، وأدب وأدب... إلا من تلك النصوص جليلة الوصف بليغة العبارة!
إن كل ما يصلنا بالله العظيم الجليل سبحانه يستحق أدبًا جديرًا بالتعلم، وتربية نأخذ عليها أنفسنا وأولادنا مرحلة مرحلة.
إننا حين يَلُمُّ بنا خَطْبٌ وحدث، نهرع إلى الله تعالى على سجيتنا - في أحسن الأحوال – إننا نذهب إلى الله تعالى دون أي سابق تشذيب لهيئتنا في داخلنا قبل ظاهرنا، لنظهر في هيئة المتأدّب، حتى إنك لتتخيل أحدَنا ذاهبٌ إلى ربه منتفش الشعر ثائر الرأس، مُتبذّل الثّياب مكلوم الخاطِر، نبحث عن النّصرة، ونبتغي النجدة على أي حال!
نفعل ذلك كلّه دون أن يُكلّف أحدُنا نفسه بُرهة رَيْث، ولحظة تأديب لذاته قبل الحضور إلى دعاء الله العظيم الجليل والانطراح بين يديه.
ألم تر أن الله ألمح إلى هذه الأناقة حتى في الظاهر حين قال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31] وجماهير المفسرين يرون أن هذه الزّينة هي الثّياب الساترة؛ فسمى الله الثياب زينة.
صحيح أن الله العظيم يقبلك ولو كنت أشعث أغبر كما صح بذلك الخبر؛ لكني أحدثك وأحدث نفسي عن أدبنا نحن مع الله لا عن كرمه هو معنا..
ألا يشكر أحدنا كرم الله عليه؛ بأن نربي أنفسنا وأهلينا بكل ما أوتينا حتى نتأدب، ونتهذب، ونتأنق، حتى في الشكوى؟
اللهم امنحنا وأهلينا وذرياتنا أدبًا يجعلنا أحبّ عبادك إليك، وأكثرهم أدبًا لديك، وأرفعهم ذوقًا وأناقة بين يديك.. اللهم آميين.
لا فض فوك دكتور عبد الله " كان من التابعين من لا يذهب إلى المسجد بثوب دخل فيه إلى الخلاء" هذا ما قرأت عنه يوماً والله أعلم
وثبت في المصنف أن عبدالله بن عمر كسى مولاه نافعا ثوبين وقال له اجعل ثوبا للنوم واجعل ثوبا للصلاة، فرآه مرة في المسجد يصلي بثوب النوم فقال له ابن عمر ألم اكسك ثوبين.